التغذية البصرية: مفهومها وأهميتها وسلبياتها

التغذية البصرية: مفهومها وأهميتها وسلبياتها

التغذية البصرية: مفهومها وأهميتها وسلبياتها

التفكير الإبداعي تصميم لوغو

لطالما كانت الطبيعة مصدر الإلهام والوحي بالنسبة إلى الشعراء ومنها كانوا يستقون تشابيههم وصورهم، ومن بين تفاصيلها وُلِدت أهم كناياتهم وأبلغ أوصافهم، عيون الحبيبات التي تشبه عيون المها، ووجوههن المدورة التي تشبه البدر، وصلابة الفرسان التي تفوق صلابة الصخر وغيرها من التراكيب التي كانت نتيجة تأمُّل الشعراء في رحاب الطبيعة المحيطة واقتباس صور منها ودمج هذه الرؤى مع اللاوعي الخاص بهم، ومن ثم انسكابها في بديع القول.

إنَّ هذا الاستلهام للأفكار مما تراه العين أصبح في وقتنا الحاضر يُسمى التغذية البصرية؛ والتي تُعَدُّ جزءاً لا يتجزأ من عمل المصممين والمصورين والكتَّاب؛ لذا وانطلاقاً من أهمية هذه الجزئية سنفرد هذا المقال للحديث عنها وعن مفهومها وأهميتها وبعض سلبياتها.

ما هي التغذية البصرية Visual Feeding؟

التغذية البصرية والتي يرادفها في اللغة الإنجليزية مصطلح Visual Feeding هي تغذية العين بالمناظر الجمالية والإبداعية؛ وذلك من أجل ملء الذاكرة البصرية للإنسان بنماذج جميلة ومتنوعة تكون فيما بعد وبشكل تراكمي المواد الخام التي يستخلص منها أفكاره المبدعة.

غالباً ما تكون التغذية البصرية مقترنة بأعمال التصميم والكتابة، فالمصممون بكافة اختصاصاتهم من مصممي الشعارات ومصممي الإعلانات والجرافيك والمواقع جميعهم بحاجة إلى الاطلاع على أعمال زملائهم المبدعين وتفنيدها والبحث في تفاصيل ومرجعيات ألوانها وأشكالها من أجل استنتاج الرابط فيما بينها والاستفادة منه في خوارزميات ربطهم للون والشكل في إخراج محتواهم الإبداعي الفريد.

كذلك فإنَّ النظر إلى الطبيعة والاطِّلاع على مظاهرها وجزئياتها يؤدي دوراً هاماً ومفيداً في استلهام الأفكار وتناسق الألوان؛ إذ لطالما كانت الطبيعة هي معلِّم الإنسان الأول، وفي مثال نأخذه عن ذلك نذكر شعار شركة Shell للمواد البترولية، والذي أدى مهمته بالالتصاق في ذهن المشاهد بسبب تصميمه البسيط المستوحى من الصدفة وألوانه النارية التي تُشير إلى مشتقات البترول.

لو لم يشاهد ويتأمل مصمم هذا الشعار النار التي تصنَّف من عناصر الطبيعة، لم يكُن ليخطر في باله ربما أنَّ جمعَ الألوان "الأصفر والأحمر" يترك انطباعاً بالاتقاد والحرارة والطاقة أكثر من أيَّة ألوان أخرى، وقد نجح بذلك في إيصال فكرته لكل من رأى شعاره، وكانت التغذية البصرية الطبيعية ورقة رابحة في تصميمه.

ثم إنَّ إطلاق مصطلح التغذية البصرية على ملء الذاكرة بالنماذج والصور البديعة مستوحى من أهمية عملية التغذية للجسم البشري، فكما أنَّ التغذية بمفهومها العام التي تعني الطعام والشراب تنعكس جودتها على خلايا الإنسان وصحته وتمده بالنمو والحيوية؛ يكون انعكاس جودة المادة المُشاهدة على إبداع المصمم أو الكاتب.

لذا إنَّ التغذية البصرية أصبحت عماد الأعمال الإبداعية التي كثُر منفذوها، وأصبح إيجاد فكرة فريدة ومبدعة في خضمِّ التنافس أمراً ليس سهلاً، وهنا يكون دور التغذية البصرية في مزج ما يراه كل فرد مع قدراته التحليلية الخاصة؛ إذ يمكن للجميع أن يروا نفس المشهد، لكنَّ انطباعاتهم عنه وتحليلاتهم له لن تكون متطابقة بالتأكيد.

إنَّ فعل التغذية البصرية في توليد الإبداع عند المصممين يتشابه تماماً مع فعل القراءة للكتاب؛ إذ إنَّ كل مُقدِم على الكتابة يُنصح بالاطلاع على أعمال الكتاب السابقين والمعاصرين وأعمال أدبية محلية ودولية؛ وذلك بهدف تكوين خلفية ثقافية متنوعة وملء ذاكرته بالمفردات والتشابيه والاستعارات والتصاوير التي ستكون فيما بعد مواداً خام لأفكاره.

وذلك لأنَّ الكاتب عندما يقرأ طرحاً لكاتب آخر يدور حول جدلية معينة يكوِّن رأياً خاصاً به تجاه الموضوع عينه، قد يكون موافقاً وقد يكون معارضاً لرؤية زميله، وقد يكون محايداً ويرى القضية من منظور مختلف تماماً؛ وهذا ما يخلق لديه مادة جديدة للإبداع جذرها مستوحى من عمل آخر أما فروعها فهي جديدة كل الجدَّة

كذلك الأمر بالنسبة إلى الصور والمشاهد التي يراها المصمم أو المصور وأيضاً الكاتب، فإنَّ الصور التي يراها والألوان والأشكال الطبيعية منها أم التي يصنعها الآخرون تؤدي دورَ المحرض للأفكار في رأسه.

شاهد بالفيديو: 5 نصائح للخروج بأفكار إبداعية جديدة

أهمية التغذية البصرية:

إنَّ أهمية التغذية البصرية تكمن في كونها المحرِّض الأول للإبداع والشرارة التي تقدح في ذهن المتأمل عشرات الأفكار المبدعة والنقطة التي تنطلق منها مئات أسئلة العصف الذهني والسيناريوهات الافتراضية، وهذا ما يكوِّن برعم الإبداع وبذرته التي تُغرس في ذهن متأمِّل شغوف.

لعلَّ أهمية التغذية البصرية تبرز من خلال النقاط الآتية:

  1.  المساعدة على فهم أعمال الآخرين بشكل صحيح:

إنَّ التغذية البصرية تضيف إلى المصمم أو الكاتب الخبرة الناتجة عن الاطِّلاع الكثير؛ مما يُسهِّل عليه مهمة فهم أعمال الآخرين وتصويراتهم التي يبرزونها في كتاباتهم وأعمالهم التصميمية، كما تضيف إليه هذه الخبرة درعاً واقياً من الوقوع في أخطاء سبق ولاحظها في أعمال الآخرين.

على سبيل المثال فإنَّ الذي يستخدم التغذية البصرية من الطبيعة يفهم عبارة: "إنَّ مفعول الإصرار كمفعول قطرة الماء في الصخر" بأهمية المثابرة على نحت المستحيل مهما بدا صعباً.

  1.  تفعيل العصف الذهني ومهارات التفكير التحليلي والناقد:

إنَّ مشاهدة أعمال الآخرين في أثناء التغذية البصرية من شأنها أن تنمي مهارات التفكير التحليلي لدى الفرد، فعندما يرى تصميماً مبدعاً يتأمل في ثناياه وألوانه وأشكاله؛ ليحلل أبعاد التصميم ويعرف الرسالة التي حاول مصممه إيصالها؛ مما يجعله يمتلك نظرة ثاقبة في تحليل الأمور يستثمرها في إنشاء تصاميمه الخاصة.

كما أنَّ التغذية البصرية تنمي لدى الفرد مهارة التفكير الناقد بعد خبرة تراكمية من المشاهدات تجعله يميز مواطن القوة ومواطن الضعف في التصميمات التي يراها، ومن ثم تكون دافعاً له على توليد الأفكار المبدعة الفريدة جراء التأمُّل والتفكير في المحيط.

إنَّ التغذية البصرية تمنح الفرد حريَّة التخيُّل في كونه صاحب مهمة تنفيذ التصميم أو التعبير عن الفكرة، فيبدأ بالعصف الذهني لتصوراته وأفكاره التي تنصب في مصلحة إنشاء تصميم إبداعي مبتكر.

  1.  توليد الإبداع:

إنَّ التغذية البصرية تكسب الفرد خبرة واطلاعاً واسعين يكونان سبباً في امتلاكه تفكيراً خارج الصندوق؛ مما يجنِّبه الوقوع في شرك الأفكار المكررة والمطروقة، وفي مثال عن ذلك شاهدت مرة على حساب إنستغرام لمزينة شعر نسائية صورة لمشهد من فصل الخريف يحتوي على أوراق متساقطة صفراء وبرتقالية وبنية اللون مرفقة بعبارة توضيحية تسأل فيها: "هل يمكنكم تخمين نتيجة اجتماع هذه التدرجات اللونية على الشعر؟" لتظهر النتيجة بعد ساعات على شعر مودل مصبوغ بالتدرجات اللونية عينها وبتناسق بديع أثار إعجاب جميع المتابعين؛ لتعود المزينة ذاتها وتشتق من صورة الشفق وصورة الطبيعة في الثلج ألواناً للشعر غاية في التفرُّد والجمال.

  1.  مواكبة تطورات المجال:

إنَّ التغذية البصرية من شأنها أن تُبقيَ الفرد على اطِّلاع بكل التحديثات والتطورات التي تطرأ على المجال الذي يعمل فيه؛ وذلك عن طريق اطِّلاعه المستمر على نتاجات الآخرين الحديثة؛ مما يبقي أفكاره عصرية مُحدَّثة.

5. التغذية البصرية زادُ الإبداع:

في كثير من الأحيان تُطلب من المصمم مهمة روتينية، وينضب الذهن عن أيَّة فكرة جديدة وفريدة لكسر التكرار، ويحتاج إلى شيء جديد ليخرج عن إعادة الأفكار ذاتها، وهنا يبرز دور التغذية البصرية في كونها بوابة تفتح أمامه عوالم مختلفة من الأفكار الجديدة، كما تساهم في إنشاء مكتبة بصرية في ذهنه يعود إليها في حال الحاجة إلى أفكار إبداعية أخرى.

سلبيات التغذية البصرية:

بعد كل الفوائد التي عدَّدناها للتغذية البصرية قد يتساءل بعض الأشخاص: "هل للتغذية البصرية سلبيات؟" والجواب: "نعم، في حال سوء التطبيق"، وفيما يأتي بعض هذه السلبيات:

  1. تقليد أعمال الآخرين:

إنَّ تقليد أعمال الآخرين وتصاميمهم أو تعابيرهم بقصد يندرج ضمن سرقة الإبداع، لكن في كثير من الأحيان وبسبب الاطِّلاع السريع على نماذج كثيرة تتخزن بعض الصور في ذهن الفرد ويطبِّق جزءاً منها أو يحاكيها في أعماله من غير قصد، وهذا لا يندرج تحت مسمى سرقة الإبداع ولكنَّه من سلبيات التغذية البصرية.

يكون السبب بالوصول إلى هذه الحالة هو الاستخدام الخاطئ لتقنية التغذية البصرية والاطِّلاع السريع على نماذج الآخرين دون تأملها والتمعُّن في تفاصيلها من أجل تثبيت ارتباطها في الذهن بمبتكرها، وفي حال اكتشفَ المصمم هذا الخلل فسوف يشك في أيَّة فكرة إبداعية تخطر في ذهنه؛ مما قد يؤثر في ثقته بنفسه.

  1.  الإصابة بالإحباط:

من سلبيات التغذية البصرية أنَّها قد تسبب الإحباط في بعض الأحيان للمبتدئين، فعندما يطَّلع مصمم مبتدئ مثلاً على أعمال إبداعية قام بها أشخاص مخضرمون في المجال سيقارن نفسه بهم تلقائياً؛ مما قد يتسبب له ببعض الإحباط.

شاهد بالفيديو: 7 تقنيات للعصف الذهني لاستلهام أفكار أكثر إبداعاً

نصائح من أجل تغذية بصرية مفيدة وفعَّالة:

من أجل الحصول على الاستفادة القصوى من التغذية البصرية والاستلهام من الطبيعة وتجارب الآخرين بشكل سليم ننصح بما يأتي:

خصِّص وقتاً يومياً للقيام بالتغذية البصرية، وفرِّغ وقتاً خاصاً لأداء هذه المهمة بتركيز عالٍ وذهن حاضر.

تأمَّل في كل تصميم أو مشهد طبيعي وحاول التعمق في تفاصيله وتتبَّع خطوطه وتدرجات ألوانه.

حلِّل الأعمال التي تشاهدها، وحاول تخيُّل المسودات التي مزقها المصمم حتى وصل إلى الصورة النهائية الموجودة أمامنا، مع محاولة فهم كل تفصيل من تفاصيل العمل والفكرة التي يرمي إلى إيصالها.

بالنسبة إلى المبتدئين ننصحهم بالتغذية البصرية بأعمال المحترفين في المجال من أجل التقاط نقاط القوة لديهم وتعلُّمها، أما بالنسبة إلى المحترفين، فلا بأس من التغذية البصرية للأعمال الأقل احترافاً من أجل اكتشاف عيوبها ومعرفة مواطن الضعف فيها.

نصيحة أخرى بالنسبة إلى المبتدئين؛ حاولوا استنساخ تصاميم المحترفين التي تتم مشاهدتها بالتغذية البصرية بغرض التدريب والتمرين فقط، ومن أجل اكتساب الخبرة في أداء التصاميم الاحترافية.

في الختام:

إنَّ التغذية البصرية هي اقتناص مواطن الجمال في أعمال الآخرين والوسط المحيط، وهي محرِّض للإبداع ومَنجَم ثمين لاستلهام الأفكار في جميع المجالات الإبداعية؛ لذا فيجب استخدامها دائماً من أجل امتلاك مخزون متجدد من الأفكار الخلَّاقة.